خارطة العراق | Map of Iraq

  

 

خارطة العراق | Map of Iraq

   

يبدأ الجواهري قصيدته

 

دجلة الخير

 

كأنه ينادي محبوبته -وكما نادى المجنون جبل التوباد-- فيقول:

 

حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين

حييت سفحك ظمآنا ألوذ به لوذ الحمائم بين الماء والطين

ويعترف الجواهري بأن ظمأه الأبدي لا تجليه

إلا دجلة، الأمر الذي يجعلنا نجزم أن هذا الظمأ

هو من نوع آخر.. ظمأ الشوق والبعد والاغتراب

وظمأ الظلم والحب والذكريات وظمأ الحرية:

يا دجلة الخير يا نبعا أفارقه على الكراهة بين الحين والحين

إني وردت عيون الماء صافية نبعا فنبعا فما كانت لترويني

ويزيد عطش الجواهري إلى الأرض والحنين

إلى الماء حتى يغلبه الغياب عن اللحظة الحياتية

ويدخل عالم اللاوعي لنجده يتمنى أن تكون

دجلة بعمقها قبره, وشراع قاربها الذي تلعب

به الرياح -مثله مثل مصير الشاعر في اغترابه- كفنه، ويقول:

وأنت يا قاربا تلوي الرياح به ليّ النسائم أطراف الأفانين

وددت ذاك الشراع الرخص لو كفني يحاك منه غداة البين, يطويني

ولا نجد مبررا لهذا الإصرار على التوحد مع كل

مفردات دجلة سوى غلبة اليأس على أمل لقاء الحبيبة

أو إحساس الجواهري الشديد بالألم

والحسرة والخوف مما هو قادم حيث يقول:

يا دجلة الخير قد هانت مطامحنا حتى لأدنى طماح غير مضمون

وهذا اليأس السياسي الذي سكبه الجواهري شعرا لا

يبعد أصابع الاتهام عن دجلة العاشق والمعشوق

سليل أبي نواس المجنون الذي راهن ما ألبسته وخلعته

عليه الملوك في شربة زق حيث يقول:

يا مستجم النواسي الذي لبست به الحضارة ثوبا وشي هارون

الغاسل الهم في ثغر وفي حبب والملبس العقل أزياء المجانين

والراهن السابري الخز في قدح والملهم الفن من لهو أفانين

يا سكتة الموت يا أطياف ساحرة يا خنجر الغدر يا أغصان زيتون

غير أنه تجريم ولوم من ولهان محب لا يلبث أن

يمتطي صهوة المجد الممجد لمحبوبته وذكر محاسنها

وأصلها الضارب في العمق، ليبث ألمه مع ألمها

ومشاركته لها ما يعتريها من شحوب وما عليها

من غبار صروف الدهر بل ما يخبئه لها آنذاك المستقبل-الحاضر:

يا أم بغداد من ظرف ومن غنج متى التبغدد حتى في الدهاقين

يا أم تلك التي من ألف ليلتها للآن يعبق عطر في التلاحين

يا دجلة الخير ما يغليك من حنق يغلي فؤادي وما يشجيك يشجيني

ما إن تزال سياط البغي ناقعة في مائك الطهر بين الحين والحين

ووالغات خيول البغي مصبحة على القرى --آمنات- والدهاقين

ويأتي البيت التالي في شكل إجابة غريبة على سؤال ربما لم

نقرأه لكننا لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إن دجلة

-المسجونة بالرصافة والكرخ وبأشياء أخرى-

ربما أسرت بمعاناتها لشاعرها بلغة لا نفهمها نحن ليقول:

يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت به مجاريك من فوق إلى دون

أدري على أي قيثار قد انفجرت أنغامك السمر عن أنات محزون

أدري بأنك من ألف مضت هدرا للآن تهزين من حكم السلاطين

تهزين من خصب جنات منثرة على الضفاف ومن بؤس الملايين

تهزين من عتقاء يوم ملحمــة أضفوا دروع مطاعيم مطاعين

الضارعين لأقدار تحل بهــم كما تلوى ببطن الحوت ذو النون

يرون سود الرزايا في حقيقتها ويفزعون إلى حدس وتخمين

يا دجلة الخير والدنيا مفارقـة وأي شر بخير غير مقرون

لعل يوما عصوفا جارفا عرسا آت فترضيك عقبان وترضيني

Read more

Testimonials

Nothing to show.